كلمة المهندس رفيق غنوم


   أ

 ايها الحفل الكريم..
   لمن دواعي الغبطة والسرور والعزة والفخار أن نحتفل اليوم باليوبيل الفضي للشاعر شربل بعيني.
   اليوم، قدس الكلمة الهادفة، وما تحمله من مضمون إنساني اجتماعي وطني، تدعونا بنفس صافية ووجدان صادق، وضمير حي، الى الخير والمحبة والاخاء في زمن أصبحت فيه هذه المفاهيم خطراً على حياة كل من ينادي بها.
   وها هو شاعرنا شربل بعيني يدفع فاتورة الحساب منذ ان كان ابن العشرين عاماً، عندما طرق الخوري باب بيتهم في الليل ـ حتى ابونا الخوري لم يتجرأ أن يدق باب الدار في النهار ـ ليقول لوالدته: هرّبوا الولد لأنهم سيرمونه في الجب، اي البئر، ولن يستطيع احد العثور عليه. كان هذا في احدى ليالي كانون الاول الباردة من عام 1971.
   جريمة شربل بعيني الفتى انه لبّى دعوة المحبين ليقف امام حشد كبير من محبي الادب، ومتعاطي السياسة، ويلقي يومياته: "يوميات مراسل أجنبي في الشرق الأوسط"، التي هاجم فيها تجار العشائر، وشيوخ القبائل، وسلاطين السلطة السياسية، منبهاً جماهير شعبه، داعياً الى اليقظة والحذر مما يدبر في السر لكارثة تهدد الوطن. وقد هدّت الوطن فعلاً، فاختار منفاه للمحافظة على الحياة، والمنفى قسراً كان أم اختياراً، ألم يحز في النفس، وشعور بالمرارة يجتاحها. لكن ألم الغربة عند شربل لم يكن حنيناً وبكاء يائساً بل وعياً وجلداً وصبراً وتفاؤلاً بالمستقبل بكل الكبرياء والشموخ مؤمناً بوطنه، بإنسانه، الذي منحه كل العطاء بضمير حي، ومشاعر صادقة، تتدفق بعفوية عذبة الالحان بالفصحى والعامية، تلامس النفوس البشرية من "مراهقته" حتى "قرفه" بحيوية لا تنضب.
   ان شربل بعيني طوال ربع قرن من العطاء المتجدد رفض إلا أن يكون صوت الناس المظلومين المقهورين المشتتين مثلنا على طرقات المنافي، وهذا هو سر ديمومته وتكريمه المتواصل من قبل شرفاء الكلمة في كل مكان، فهو دائماً يأمل أن تنمو وتتجدد أهدافه الانسانية لتخترق الحواجز، وتحملها رياح غربته الى شرقنا العربي سنابل قمح وشذا ورود ربيع دائم، وازاهير محبة تعانق مواقع ارزه الصامد لتعود من جديد دورة الحياة الى طبيعتها، ولتنبت اليوم في مدينة جبيل، وفي معهد أبجديتها بالذات جائزة شربل بعيني السنوية، فهنيئاً لنا كوننا نحيا وشربل بعيني في منفى واحد. والسلام عليكم.
**