كلمة الاديب محمد زهير الباشا

   
أخي شربل..
   بعد التحية..
   لعلّك تستأذن لي بكلمة متواضعة، أسهم بها في المهرجان الأدبي بمناسبة اليوبيل الفضي لبداية شعرك منذ خمسة وعشرين عاماً.
   اذا نالت الموافقة فأهلا، وان كثر الخطّاب فأخجل، وأنست الى الحضور بقلبي ولو كنت على شاطىء الأطلسي.
   فإلى الاخوة الحضور، والاخوة المتحدثين: لمّا كانت الدعوة مجانية أسرعت إليكم. مرحبا بكم. وها أنذا أخطو بينكم وأصغي إلى كلماتكم، واسجل همساتكم بقلبي، واحيي كل كلمة تجلى فيها حلو الحديث، وان لم يرد اسمي في زاوية من زوايا بطاقة الدعوة، ومن طبعي انني لا احب المزاحمة على شواطىء هاييتي او الصومال.. فليأذن لي سعادة سفير لبنان الدكتور لطيف ابو الحسن بدقائق أمتلك فيها حرية القول والجهر به.
   فتحيتي إليكم.. عقب هذه الموافقة التي ألمسها في مسامع الحضور، تحية غمسها الشاعر شربل بعيني بذكريات الأحبة، وهو الأدرى، بأن المتنبي ما خلد سيف الدولة بالمدائح فحسب، بل خلده بهذا الحب بين الشاعر الفارسي والامير، اشجع بني حمدان، فكان هذا الحب مدعاة لتاريخ لا يفنى.
   ومع تجوال الشاعر شربل بين جدائل الحسناوات الملهمات الصابرات على شهامة العاشق، كانت هي خمرته، التي أسكرته وما أخجلته وهي نبرته التي أنطقته في عيدها، وهي في غمزاتها التي ما هدأت على رموش قصائده ومواعيده، ربيع يسجل القبل الهاربة.
   وحده الشاعر طبق بعفوية الارض مقابل السلام، وكان له الحب مقابل الشعر. اجتمع بالملهمة خلسة دون أي تدخل من وزير، وقرر معها المبادىء الأولى، فاحتكم الى كل ضمير، وطبع قرارته اتفاقاً، في ليلة، في سمر، في رقصة، في انتهاز لمبادىء الحب، فكان للشاعر أقصر طاولة جمعت عاشقين وحقق منذ عشرين وخمسة من أعوام، اصعب القرارات انسحب من لقاء الجسد، ثم عاد وما تراخى عن أي لقاء ثم الى الروح، بالموافقة الاجتماعية بين شفاه أربع، وكرر ما قاله المتنبي:
وعذلت أهل العشق حتى ذقته
فعجبت كيف يموت من لا يعشق
   لكن الشاعر شربل فتت الازهار على جمرات النبض، وتمحصالامر البنك الدولي بغية التدخل وفرض شروط الآخرين، وما عرف أن العشق حرية، وان مشروعات الحب لا تقبل اي تدخل من اي نظام عالمي. الحب لا يرضى بالتضليل ولا بالتزلف، انه الحب، وليس صاروخاً عابراً للبنوك والثروات. الحب يحارب بلا مهادنة، يستبد دون دماء يصغي لكل موقف على انوار الشموع، يقتني ولا يرهب السياط والجوع.
   وها هوذا صوت الشاعر شربل بعيني ينادي بسقوط الباستيل، فترتفع في شوارع مدينة النور اغنيات الحب، وتلتهب الانفاس، فتحنو على الصدور آهات المعذبين، خاصة وهو الذي قطف من رؤوس "المجانين" موسماً رصّع به "خزانته" التي أثمرت "الريف" "وأينعت أوراق السنابل".
   وبإباء السيف المرهف، رفض أن ينصب خيمة لاجىء، ولما احتج عمر الخيام على ازدحام الجائعين، ضاعت منه شعرة من ذقن أبي نؤاس، فطالت غربة النفس.
   ولجأ الشاعر الى كل ريف، ومعه قطرات من زيت مقدس يشفي به الهائمين نحو الحرية والحب، ليبعد عنهم الاغتصاب لكل جسد، والاستلاب لكل ثروة، وظل الوطن دمعة وأملاً.
   لكن الشاعر تسامى، بعد أن قبض على قطرات الزيت، وناجى علياً، كرّم الله وجهه، ونحن ما زلنا نستنير بالشعر وان قتلتنا في الوطن مجازر الشعارات.
   ولنتوجه الى قلوب الشعراء، وهم ينهلون، مع الشاعر ومع الحضور الكرام، كأس هذا المهرجان كي تبقى لكل عاشق ملهمته، منسوجة ضفائرها على صفحات دواوينهم.
   قبلاتي لكم دون عنصرية، والى اللقاء.
فرجينيا، الولايات المتحدة الاميركية 1993
**